اضمن
اخبار محلية

عن الكورونا، الوباء وأشياء اخرى ناجي ظاهر

عن الكورونا، الوباء وأشياء اخرى

ناجي ظاهر

من الطبيعي أن يعود الناس، المهتمون والمعنيون خاصة، في حالات الازمات ولحظاتها الحارقة إلى حالات سابقة ومماثلة جرت في الماضي، لكن ليس من الطبيعي أن تكون هذه العودة محدودة الأفق وغير مطلعة وواعية، ويُفضل في مثل هكذا عودات الحرص على عدد من الأمور، مثل دقة المعلومة وشموليتها، إلى أقصى حدّ ممكن، وقبل هذا المعلومة الخاصة التي يُفترض أن تكون القاعدة والمُنطلق للمعلومة العامة، ذلك أنه توجد بين هاتين المعلومتين أكثر من وشيجة بل أكثر من معنى، فيما يلي أشير إلى تلك وهذه بسرعة، لا أقول بتسرع. فيما يتعلّق بالوشيجة المقصودة فإنها تعني أن المعلومة الخاصة، كما هو معروف وواضح، ما هي إلا جزء من تلك العامة، وأما فيما يتعلّق بالمعنى فان المُنطلق الأول في كلّ الحالات الجادة لا بدّ من أن تنطلق من الحالة الخاصة، موسّعة دائرتها وليس العكس، كما حصل مع العديدين ممن كتبوا وأشاروا خلال فترة الكورونا المولّية إلى اعمال أدبية عالمية تطرّقت إلى الوباء، متجاهلين أعمالا أدبية عربية رائدة اتخذت من الوباء محورًا لها ولم تقلّ أهمية عن تلك الاعمال الادبية التي اشاروا اليها اذا لم تتفوّق عليها.

الكثرة الكاثرة من هؤلاء المهتمين وبينهم مثقفون بارزون وتؤثر كتاباتهم في الكثير الكثير من القراء، لما تمتعوا به من عطاء غزير مكّنهم من كسب ثقة قطاعات واسعة من القراء، أشارت في فترة الكورونا الفارطة، إلى العديد من الاعمال الأدبية المعروفة عالميًا فيما يتعلق بالأوبئة ومعالجة الكّتاب لها في أعمال خاصة لهم، ذاكرين في مُقدمتها عددًا من الاعمال، لعلّ أبرزها رواية” الطاعون” للكاتب الفيلسوف الفرنسي البير كامي الذي ارتبط اسمه بالجزائر كونه ولد وترعرع فيها قبل انتقاله للإقامة في العاصمة الفرنسية باريس، ورواية ” الحب في زمن الكوليرا ” للكاتب الكولومبي المبدع جابريل غارسيا مار كيز. ولم ينسَ بعض من هؤلاء قصيدة الكوليرا للشاعر العراقية الراحلة الباقية نازك الملائكة، تلك القصيدة التي يعتبرها الكثيرون القصيدة الأولى الرائدة في حركة التجديد الشعري الحديث.

لقد تجاهل كل هؤلاء بدون استثناء، بحدود علمي، وهو ليس قليلًا، عملًا أدبيًا عربيًا رائدا هو رواية “الوباء”، للكاتب السوري الروائي البارز هاني الراهب(١٩٣٩/٢٠٠٠   )، وقد كان بالإمكان أن نمرّ على هذا لولا عدد من الأسباب الجديرة بالإشارة، يمكننا إجمالها في النقاط التالية، أولًا ان رواية الوباء تناولت موضوعها بعمق لافت وتكرّست له متطرقة إلى أبعاده الواقعية والرمزية أيضا، كما سنلاحظ تاليًا، ومنها أنها تَبرُز بين ابداعات صاحبها مثل روايات: “الف ليلة وليلتان” و”التلال” و”رسمت خطًا على الرمال”، إضافة إلى رواياته الأربع الرائعة الموسومة بعناوين متشابهة والمنطلقة من عنوان مركزي هو “خضراء كالمستنقعات”، زد على هذا أن اتحاد الكتّاب السوريين اعتبر هذه الرواية/الوباء، واحدة من أهمّ مائة رواية في القرن العشرين ومنحها بالتالي، في عام صدورها وهو 1981 ، جائزته السنوية.

كلّ هذه الأسباب تؤكد ما سبق والمحنا اليه حول أهمية هذه الرواية، فيما يتعلّق بنظيراتها المذكورات ضمن المستوى العام/ الاجنبي، ونحن إذا ما تقدّمنا خطوة في حديثنا الجاري، فإننا لا بدّ مِن أن نشير إلى أن رواية الراهب تتحدّث عن الأرض السورية وعمّا مرّ عليها مِن أبناء الأجيال المُتعاقبة مشدّدة على المعنى الحقيقي للأرض ومتوقّفة عند الوباء الذي ضرب الأراضي السورية عام 1916، وما تخلّلته مِن أحدث عظام كان لا بد من أن تذكّر بالأحداث الفتّاكة التي شهدتها البلاد العربية والأجنبية أيضًا خلال فترة الكورونا وسنواتها العجاف المُدبرة.. ناهيك عما المحت إليه وتوقعته من أحداث عظام خلال المائة عام التالية. هذا كلّه يؤكد أننا إنما نقف أمام كاتب مهم جدا، وقدّم الكثير للأدب العربي السردي تحديدًا. صحيح ان قلة من القراء، كما يقول عدم طباعة روايات هذا الكاتب الهام، يعرفون قيمة هذا الكاتب المبدع، لكن هذا لا يعني أنه ليس كاتبًا مُهمًا، فهل ستقوم إحدى دور النشر العربية ولتكن الدار التي نشرت معظمها وهي “دار الآداب” اللبنانية، بإعادة طباعتها واتحاف القارئ العربي المهتم بها؟.. ارجو هذا.

بالعودة إلى موضوع حديثنا، أشير إلى أمرين قصدت تأكيدهما، أحدهما أننا لا يمكن أن نقدّم جديدًا الى العالم ما دمنا نتكئ على أعمال أجنبية معروفة وحسب، بل باهتمامنا بأعمال مبدعينا العرب الأصيلة والقادرة على البقاء، بمعني الانطلاق من الخاص.. فالتوسُّع إلى العامّ وليس العكس كما حصل في حالة الكورونا ومستتبعاتها، والامر الآخر هو ألا ننسى أن ساردين عظماء عاشوا بيننا، فترة ليست مديدة من الزمن للأسف، ومضوا مخلّفين وراءهم أروع الاثار واجمل الاعمال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock