اضمن
ادب

متنفَّس عبرَ القضبان (101) حسن عبادي/ حيفا

متنفَّس عبرَ القضبان (101)

حسن عبادي/ حيفا

بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة)؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛

عقّب الصديق محمد عمارنة: “فك الله بالعز قيدكن أنتن العز والفخر أنتن اكليل الغار أنتن الحاضرات دوما لم تغبن ولن تغبن ابدا أنتن الوجع الصارخ فينا بصمت لك منا استاذ حسن كل التحية والاكبار حفظك الله لنا ولأسيراتنا الماجدات أنت رجل يحمل وطنه بقلبه أنت نافذة الحرية ورسول المستضعفين وخيط الامل ومبدد عتمة الغياب”

وعقّبت الصديقة زهرة محمد: “يا قلبي عليهن …إنهن قديسات العصر بجدارة.الحرية لهن ولفرساننا الأبطال …يارب بوركت جهودك الثمينة أستاذ، وأنت الصادق، الأمين، بنقل معاناة ونضال أسرانا جميعاً، ومؤازرتهم بصدر رحب، وقناعة تامة بأقدس قضايانا “.

وعقب الصديق الشاعر هاني مصبح: ” كل الاحترام والتقدير لجهودكم الطيبة استاذنا الفاضل المحامي الحيفاوي الاستاذ حسن عبادي الإنسان الوطني العريق لك عظيم الاحترام والتقدير علي تلك الجهود العظيمة وذلك العمل الدؤوب في النضال والعطاء والإنسانية ولقد استطعت أن تدخل التاريخ بأفكارك العظيمة من خلال لكل اسير كتاب ولقد احبك جميع أسرانا وعائلاتهم وذويهم وكل من عرفك شكرا لك ولجهودك الرائعة”.

وعقّب الناقد اللبناني الصديق عفيف قاووق: “الله يقويك أستاذ حسن لإتمام رسالتك النضالية التي نأمل أن تكلل بتصفير كافة السجون. الحرية للأسرى”.

وعقّبت الصديقة النابلسيّة حنين وليد ياسين: “في كل مرة أقرأ قصة الأسيرات أتعلق أكثر بهذه القضية مشكور أستاذ حسن على هذه اللفتات الدائمة والحرية لأنغام ورفيقاتها يا رب”.

وعقّبت الأسيرة المحرّرة نادية الخياط (صاحبة كتاب “احترقت لتضيء”): “شكرا لك أخي حسن أحزنتني وفرحتني بكل هذه التفاصيل”

وعقّبت الصديقة ابتسام عطوط من الشتات: “مهما كتبنا وشكرناك على مجهودك لن نوفيك حقك على مجهودك مع الأسرى البواسل والأسيرات؛ ناشميات فلسطين. اللهم فك أسرهم جميعا والحرية قريبا بإذن الله. إلى الأسيرة أنغام وإلى الجميع جزاك الله خير الجزاء تحياتي وتقديري أستاذ حسن”

نشرت يوم 29.11.2023 خاطرة بعنوان “صفّرنا الدامون”… وخاب أملي.

عُدت لزيارة الدامون لأسمع عن الانتهاكات المستمرّة بحق حرائرنا؛

عدت لأسمع حكايات وقصص تقشعرّ لها الأبدان، فالأسيرة تتعرّف على عريسها لتكون القعدة الشهرية بعد 7 أيام من تحرّره، لتتبدّل الأدوار وتُعتقل هي، وعمّها شهيد، وأخوتها أسرى، ووالدها أسير، وأعمامها وأخوالها أسرى… فقط في بلادنا تجد هذه الأمور.

الأسيرات بحاجة ماسّة لملابس لغيارات داخليّة ولملابس شتويّة؛

شعرت بشغف الأسيرات لاستلام رسائل الأهل والتواصل مع العالم الخارجي، وكذلك إيصال الرسائل لأعزائهن.

وضع السجن كارثيّ، من سيئ إلى أسوأ، تجويع وتبريد، وكاميرات مراقبة كلّ الوقت وفي كل مكان، كثير من الأسيرات بدون غيارات، يغسلن ملابسهن الداخليّة ويلبسنها مبلولة!

“بنتك قدّها وقدود”

زرت ظهر يوم الأربعاء 10 كانون الثاني 2024 سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب لألتقي بالأسيرة شهد محمد كمال عصافرة من الخليل (مواليد 15.07.2003)، أطلّت بابتسامة طفوليّة باهرة، وبعد التحيّة مباشرةً أملت عليّ رسائل زميلاتها الأسيرات لأهاليهن، وحدّثتني عن زميلات الزنزانة (أنغام، جنين، عرين، براءة، ملاك، أميمة، تمارا، آية، نوال) واحتفالهن بعيد ميلاد براءة (عملنا كعكة؛ تطلي وشوكلاطة على طبقات خبز، وبدل الشمعات قطن ذنين، وحفلة بالغرفة وأخرى بالفورة مع كلّ البنات).

أخذت تصوّر لي وضع زميلات الأسر؛ 53 أسيرة من غزة، 20 من الضفة الغربية، 4 مقدسيات، 11 من الداخل المحتل، 8 أسيرات من غزة بطريقهن للحريّة (لينا، إيمان، سائدة، نعمة، أفنان، أسيل، ظريفة، نيفين)، 10 أسيرات جديدات من غزة ونور عودة المقدسيّة، الاكتظاظ الكبير، الأكل بكميات قليلة ومواصفات رديئة جداً، تجويع متعمّد وتبريد، ألبسوا أسيرات غزّة أواعي مع قمِل فانتشر القمل في السجن بكثرة، الإهمال الطبي (خاصّة بحقّ آية وأسيل).

 

هذا لقاؤها الأول بمحام منذ اعتقالها، على حدّ قولها، وفي ظلّ غياب التواصل مع العالم الخارجي مهم لها إيصال صوت ورسالة الأسيرات، بدأت تكتب يوميات الأسر وحكايات بنات غزة وقصصهن، لكن السجّان داهمها ليلة أمس وصادر كلّ الأوراق ومزّقها.

استفسرَت عن تعلّمها والعلامات (أنهت توجيهي بمعدّل 96.5 علمي وحلمها أن تدرس الطب)، تعمل على حفظ القرآن (شاطره بالإنشاد والترتيل)، تقرأ الكثير؛ عذراء جاكرتا، وإذا الصحف نُشِرت، شيفرة بلال، ليطمئن قلبي… و”فرحة” لصديقي وليد الهودلي.

كتبت قصيدة لوالدها:

“آهات كل ليلة تقضّ مضجعي               تذكّرني بقلبي كم هو بحبّك أسير

وا ربّاه تصعّد في كل ليلٍ                    مناجاة عبد لربّه الخبير”

وأخرى لوالدتها:

“كيف لا أحبّها وهي أمّي             كيف لا والجنّة تحت أقدامها

هي مهجتي وروحي وملاكي بربّكم أتركوني أقبّل نعالها

ملاذي الآمن وكتفي ثابت    حبيبتي هي…هي من دون سواها”

طلبت إيصال سلاماتها للعائلة، لصديقاتها (إيلاف، أماني، ملاك، بيان، فاطمة، ميس وإخلاص)، وتعايد أخاها علي بعيد ميلاده، وتقول لوالدها: “بنتك قدّها وقدود، تقلقش عليها، ربنا حطّنا باختبار، وإن شاء الله الفرج قريب”.

عن زميلات “هاي طشِّه”

عُدتُ صباح يوم الاثنين 15 كانون الثاني 2024 إلى سجن الدامون لألتقي بالأسيرة أنغام يوسف عزات عصافرة من بيت كاحل/ الخليل (مواليد 05.10.2002)، أطلّت باسمة، تعارفنا وتناولنا أطراف الحديث في الممر حتى تم فك كلبشاتها، وقرأت على مسامعها بداية رسالة والدها فنزلت دموعها؛ دموع فرح وعقّبت قائلة “بيجيني بالأحلام وبنِفسي أسمع ضحكته”.

حدّثتني عن زميلات الزنزانة (شهد، جنين، عرين، براءة، ملاك، أميمة، تمارا، آية، نوال، حليمة) واحتفالهن بعيد ميلاد براءة.

أخذت تصوّر لي وضع زميلات الأسر؛ 91 أسيرة، 17 من الضفة الغربية، 3 مقدسيات، 10 من الداخل المحتل، والباقي من غزة، جدّة أسيرة برفقة حفيداتها، وجدّة أخرى برفقة بناتها وحفيداتها!! الاكتظاظ الكبير وخمس أسيرات في زنزانتها يفترشن الأرض “بندفّي بعض”، الأكل بكميات قليلة “كلّ ما زاد العدد بقِلّ الأكل”، تجويع وتبريد متعمّد، وهناك أسيرات كثيرات بدون غيار “بغسلن الملابس الداخليّة وبلبسنها مبلولة”، بندفّي حالنا بالقرآن والإيمان والدعاء والصلاة.

وأخيراً فتحت الكانتينا وتناولن القهوة للمرّة الأولى منذ الاعتقال.

حدّثتني عن ساعة الاعتقال؛ حرمانها من أخذ غطاء الرأس، تسكير الغرفة على الأهل وحرمانها من وداعهم، كلبشتها من الخلف واقتيادها للجيب، الإيدين انتفخت من الكلبشات، ضرب كلّ الوقت، أنت “خماس وإرهاب”، مسبّات وسخة كثير، ضغط بالأصابع على الرأس كلّ الوقت، “كلّ الوقت إحنا الخمسة عابطات بعض ع شان نتدفّى”، 4 مرات تفتيش عارٍ بالكامل، تفتيش عارٍ جماعي “غضّينا الطرف”.

أوصلت عبرها رسائل الأهل لبناتهم، وكم كانت سعيدة حين علمت بوصول أسيرات غزّة الثمانية لأحضان أهلهن.

كم كانت فرحة حين طمأنتها على خطيبها عدي الأسير، تم اعتقاله صباحيّة يوم تحديد موعد زواجهما.

طلبت إيصال سلاماتها للعائلة، وقبلاتها لكل الصغار (عبيدة، قيس، رواند، ميسون، نغم، وغزل)، وتسأل والدتها “أنغام عجنتلِك ساعة قبل الاعتقال، كيف الخبز؟ دعواتك الوحيدة اللّي قوّتها وما خلّتها تعيّط”، حلمت أنّ والدتها عملت مقلوبة لها وللأسيرات، وحين أخبرتهن بالحلم شكروها وقالوا “لمّا نروّح بدنا إيّاها”.

حين افترقنا قالت بعفويّة مطلقة “شكراً على هاي الطشّه”.

لكن عزيزاتي شهد وأنغام أحلى التحيّات، والحريّة لكن ولجميع أسرى الحريّة.

حيفا كانون ثاني 2024

 

لا بد من الإشارة إلى أن لينا، إيمان، سائدة، نعمة، أفنان، أسيل، ظريفة، نيفين قد وصلن إلى

غزة صباح الجمعة 12.01.2024

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock