اضمن
فنمقالات

عظمة ناجي العالي ناجي ظاهر

عظمة ناجي العالي

ناجي ظاهر

صادفت اليوم الجمعة، التاسع والعشرين من آب الجاري، الذكرى الثامنة والثلاثون لمصرع رسام الكاريكاتير الفلسطيني المبدع ناجي العلي، ابن قرية الشجرة المهجرة برصاصة حمقاء اطلقها عليه موتور مأفون في لندن، فوضعت حدا لحياته القصيرة الغنية، ومكنت كاتم الصوت من كتم صوته، بعد ان قضى عمره العملي في الصراخ: لا لكاتم الصوت.

لقد قيل الكثير عن ناجي العلي وسوف يقال الكثير، لأهميته في مسار المطالبة بالحق الفلسطيني بالعودة الى البلدة والبيت، ويعرف الكثيرون ان هناك فيلمًا سينمائيًا يتحدث عن حياته ونضاله، قام بأداء دوره فيه الفنان العربي المصري نور الشريف، وربما يكفي للتدليل على اهمية العلي ان نذكر ان صحيفة يابانية اعتبرته من اوائل عشرة فناني كاريكاتير في العالم.

منذ رحيل ناجي القسري، قدمنا العديد من المحاضرات والأحاديث الادبية، وطالما تحدثنا عن حنظلة ناجي العلي الذي ولد في العاشرة وقال عنه موجده انه لن يكبر الا بعد عودته الى الشجرة، كما ان محبيه لن يروا وجهه الا هناك، وبالفعل لم ير جمهوره وجهه الا بعد نكسة 1967، بعد ان ادار وجهه مرة واحدة ووحيدة.. لكن رافعا اصبعه الوسطى لعالم افتقد ما افتقر اليه من أمن واستقرار.

اتذكر في هذه المناسبة المؤلمة انني كنت في السبعينيات المتأخرة اتردد على مقهى ومطعم الصداقة بإدارة الصديق الرائع مصطفى اسعيد، ابو نضال، ابن قرية رمانة الوفي، وحدث انني اتيت الى المطعم ذات يوم، فهرع نحوي شخص لا اعرفه مائة في المائة وراح يحتضنني، فاستغربت ولم افق من استغرابي الا عندما راح يحمد الله انني نجوت، انا ناجي، من محاولة اغتيالي في لندن، وسألني محتضني عن احوالي يومها فقلت له انها على ما يرام ويرجى.. وعال العال، وتوجهنا الى طاولة هناك تُطل على الشارع الرئيس في الناصرة.. وواصلنا الحديث وبيد كل منا فنجان قهوة.. حتى اليوم على ما اعتقد ما زال ذلك الشخص المحب الرائع يعتقد انني ناجي العلي بشحمه ولحمه.. انا راض بان يقترن اسمي باسم ناجي العلي ابن قرية الشجرة القريبة من قريتي المهجرة سيرين، وهو راض، لأن ناجي العلي الذي احبه من جماع قلبه.. لم يمت.

كانت لنا في مطعم الصداقة، مجموعة من الاصدقاء، اذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر كلا من المرحومين العظيمين محمد ابو حسين- ابو علي من رمانة، واحمد حبيب الله- ابو هشام، من عين ماهل، طيب الله ذكراهما، كما اذكر الاخوة الاعزاء: عمر سعيد من كفر كنا، منصور طاطور من الرينة، سليمان ابو ارشيد وباسم داوود من دبورية، وليد ياسين من شفاعمرو، عفيف سالم من الناصرة- رحمه الله، اضافة الى صاحب المكان ومديره مصطفى اسعيد،.. ليعذرني من لم اذكر اسمه من الاصدقاء والاحباء من ابناء تلك الفترة فهم كثر..، اقول كنا نجلس في الاصباح المبكرة، لنتصفح الصحف في مقدمتها صحيفة “الميثاق”، وكان اكثر ما يجذبنا إلى تلك الصحيفة، انها كانت تنشر على صفحتها الاخيرة كاريكاتيرا يوميا لحبيبنا الغائب الحاضر ناجي العلي، ضميرنا الحي ومُجسّد محبتَنا للبلد والولد. لقد كانت تلك من أجمل ايام العمر، فقد كانت العيون تفيض بالبِشر والامل، كلما وقعت على الصفحة الاخيرة من صحيفة الميثاق، وما زلت اتذكر عندما وقعت العيون على كاريكاتير يمجد قمر فلسطين ويقول إنه اجمل من قمر عين الحلوة، وعلى كاريكاتير اخر يُصوّر سفينة تقل مقاتلي فلسطين من بيروت الى المنفى، وهناك من قذف نفسه منها الى الماء رافضا المغادرة وقائلا: اشتقنا لك يا بيروت.

يومها قال محمد ابو حسين وفي عينيه وميض حافل بالمحبة والامل.. ما دام هناك مثل هذا الرجل في عالمنا، فإننا سنعود مهما طال الزمان.. وسوف ننعم في دافئات المنى..  ثمانية وثلاثون عاما مضت يا ناجينا مثلما يمضي لمح البصر.. ويكبر الحلم ويمتد النظر، ولا حق يضيع ووراءه من يطالب به.. على خطاك تمضي القوافل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock