اضمن
اخبار عالميةمقالات

البعد التشاركي السياسي العربي بقلم: محمد أكن – المغرب

البعد التشاركي السياسي العربي

بقلم: محمد أكن – المغرب

لقد تعودنا أن النخب محور صناعة الفعل السياسي واحداث التغيير وقيادة الشعوب للرفاهية والنماء. في ظل الفكر العربي التقليدي والربيع العربي كنا نظن ان السياسة تقليدية شيئا ما فقد كانت عفوية وشعبية ومفاجأة، إلا أنها أحدثت تغييرا سريعا، قبل أن تفرز قيادات تنهض بمرحلة ما بعد الثورة، وقبل أن تتهيأ النخب السياسية القديمة التي لا يبعث سجلها وأداؤها على التفاؤل نجم عز إثرها وضع غريب يمسك به العديد من الأطراف ومفتوح على احتمالات عديدة، خاصة وأن التركة ثقيلة والأطراف التي تسعى لإفشال الثورة أو تعطيلها أو الانحراف بها عن مسارها كثيرة ونافذة ومنظمة وأثبتت نجاعتها بعدما استفاقت من الصدمة، على عكس الأطراف التي تسعى لإنجاح الثورة والتي تخدرت بنشوة الانتصار، وغرق الكثير منها في القضايا النظرية والإجرائية والمعارك الجانبية وأخطر ما في الموضوع أن بعض أسرار انتصار الثورة وعلى رأسها العفوية وغياب القيادة هي نفسها أكبر المخاطر التي هددت وجودها وسارعت الى فشلها. وفي المقابل لم تبرز ولا توجد مؤشرات على بروز قيادة وطنية في مشروعها وخطابها قادرة على الالتحام بالشعب وقيادة المرحلة الانتقالية وتحقيق أهداف الثورة. او زرع رياح التغيير وكما يقول آينشتاين “لا يمكننا السير بنفس الخطوات واستعمال الافكار ذاتها وانتظار نتيجة مغايرة لما هو عليه الحال الآن “. وهذا القول ما ينطبق على حال السياسة داخل كل الشعوب العربية بدقة.

فهي لا يمكن أن تحقق أهدافها إلا بنفس الروح والعوامل التي انتصرت بها (وإن بوسائل مختلفة)، وليس بنفس العقليات والسلوكيات والمقاربات التي كانت وراء الجمود الذي خيم على العالم العربي والمأزق الذي استحكم قبل الثورة. ولكن العكس هو الذي يحدث كلما انتصرت ثورة أو أوشكت على الانتصار.

فروح التوافق والتجرد والوحدة الوطنية التي كانت وراء انتصار الثورة سرعان ما تضعف لتترك مكانها للفرقة والمناظرات الأيديولوجية والمناكفات والمزايدات الحزبية والمصالح السياسية التي لا تمت بصلة للمشهد السياسي العربي العام الذي بسبب تلك النخب التي طالما خذلت شعوبها –لغياب الكفاءة أو النزاهة أو الاثنين معا- وفشلت على مدى عقود في إحداث التغيير، بل وساهمت في تجمد الأوضاع، وأصبحت جزءا من الواقع المطلوب تغييره بل باتت عقبة في طريق التغيير، تعود لتتصدر المشهد وبنفس العقليات والسلوكيات والمقاربات الفاشلة، لمقابلة بين نخب متصارعة لا فائدة منها إلا المجاملات، فخذلان النخب والقيادات المتكرر لشعوبها، جملة يمكن أن تختزل التاريخ العربي الحديث، وتفسر الإخفاق المتكرر. ولا يشفع لتلك القيادات أن الخذلان كان جله غير متعمد، وأن النوايا كانت احداث التغيير .وقد نجم  عن ذلك وضع غريب يمسك به العديد من الأطراف ومفتوح على احتمالات عديدة، خاصة وأن التركة ثقيلة والأطراف التي تسعى للسيطرة على المصالح  أو تعطيلها أو الانحراف بها عن مسارها كثيرة ونافذة ومنظمة وأثبتت نجاعتها خاصة بعد أن استفاقت من الصدمة، على عكس الأطراف التي تسعى لإنجاح الثورة والتي تخدرت بنشوة الانتصار، وغرق الكثير منها في القضايا النظرية والإجرائية والمعارك الجانبية وأخطر ما في هذا الوضع أن بعض أسرار انتصار الثورة وعلى رأسها العفوية وغياب القيادة هي نفسها أكبر المخاطر التي تهددها. وفي المقابل لم تبرز ولا توجد مؤشرات على بروز قيادة وطنية في مشروعها وخطابها قادرة على الالتحام بالشعب وقيادة المرحلة الانتقالية وتحقيق أهداف الثورة. ومع ذلك لم يشذ العرب والمسلمون عن تلك القاعدة، حيث كان وراء نجاحاتهم القليلة خلال القرن الماضي نخبة أو قيادة حكيمة، أخلصت لشعبها ووطنها وقضيتها، وبلورت مشروعا وطنيا نفذته بمنهجية ودرجة عالية من الحكمة والانضباط، واضعة مصلحة الوطن فوق كل اعتبار وغير متعذرة لا بقوة الخصوم ولا بصعوبة الظروف ولا بقلة الإمكانات. وكان آخر هؤلاء أردوغان وحزبه اللذان نجحا في ظروف شديدة التعقيد، وشقا طريقهما وسط عقبات جسام وخصوم متنفذين وشرسين ومتربصين.

صحيح أن الشعوب العربية والإسلامية أفرزت العديد من الكفاءات والقيادات المتميزة، ولكن كان مصير أكثرهم التهميش والإقصاء من دائرة القرار والتأثير، وذلك من قبل السلطة أو من قبل المتنفذين في الهيئات والمؤسسات والأحزاب، ولك أن تقول من قبل الدكتاتورية الخشنة أو الدكتاتورية الناعمة.

فمنذ أن فرض معاوية ابنه يزيد خليفة للمسلمين، وسلم الناس بإمارة المتغلب، لم يعد تولي القيادة يتم باختيار المعنيين، ولم يعد التجرد أو الكفاءة من شروطها، حيث حل محلها الوراثة والقوة والولاء والتملق للمتنفذين والمكر والتآمر وسائر الأساليب غير القويمة وسائل لتولي القيادة أو التمسك بها من دون محاسبة أو مساءلة وبصرف النظر عن الأداء والنتائج.

بداية الخذلان في العصر الحديث كانت بعد الاستقلال، حيث نجحت الشعوب نجاحا باهرا في إجلاء المحتل وسلمت أمرها لنخب فشلت فشلا ذريعا في بناء دولة المواطنة وبناء اقتصاد وطني متين وتحقيق العدالة والتنمية.

وبعد أن خذلته النخبة الحاكمة علق الشعب آماله على النخب المعارضة فلم يكن أوفر حظا، حيث لم تكن هذه الأخيرة أكثر كفاءة من سابقتها، وفشلت في استجماع ومراكمة شروط التغيير والنهوض، وأقحمت الشعب دون تفويض أو تخطيط في صدامات غامضة وغير متكافئة وفي توقيت غير مناسب، مدفوعة بأوهام وقرارات ارتجالية، ودفعت الشعوب الثمن باهظا، ونفرت من الشأن العام الذي ظل ساحة للصراع على السلطة بين النخب بعيدا على هموم الشعب وتطلعاته.

وجزء من حكم من النخب أفسدته السلطة أو كان أداؤه مخيبا. ونادرا ما أفلحت النخب الحاكمة أو المعارضة منذ الاستقلال في تعظيم المكاسب أو مراكمتها أو حسن توظيفها أو حتى تثبيتها، سواء كان المكسب من صنع الشعب أو من صنع النخبة. وغاب الاتساق والتزامن بين تحركات النخب والشعوب. وكثيرا ما فاجأت الجماهير النخب وسبقتها، وكثيرا ما أساءت النخب تقدير التوقيت فتحركت دون تعبئة الشعب، أو فشلت في استثمار هبات شعوبها. وكثيرا ما انتكست البلاد العربية والإسلامية خلال الانتقال من مرحلة إلى أخرى بسبب الاسترخاء المبكر للشعوب وافتقارها لطول النفس، وبسبب تخبط القيادات، وإخفاقها في تقدير الموقف واستشراف المستقبل والتفاعل مع الواقع والحفاظ على التعبئة ومواكبة التطور، ولوقوعها في الغرور (والاستبداد وربما الفساد إن هي حكمت) وفي الارتجال وردود الأفعال بدل التخطيط المبني على المعطيات والإمكانات. لكن الفراغ القيادي ورسوب قيادات متهالكة في قعر حوض السياسة العربية اوفق شق الطريق وسط المأزق والجمود الذين هيمنا على البلاد نتيجة الاشتباك المزمن وحالة الكر والفر بين النخب، بتوظيف وسائل العصر لاختراق القبضة الأمنية والتعتيم الإعلامي وتجريد النظام من وسائل التحكم والبطش والتشويه دون طائل. فمتى ستكون النخب في مستوى التطلعات لخلق التغيير اعطاءنا وسط سياسيا ديمقراطيا في المستقبل القريب للنهوض بالوطن وأمنه وازدهاره.

لأن التغيير المطلوب لا ينبغي أن يختزل في أحزاب ودستور وصحف ومقرات ومهرجانات خطابية، ولا يتحقق بمجرد تغيير القوانين والسياسات وآليات الحكم وأجهزته، ولكن يقتضى إعادة صياغة العقول والنفوس والسلوكيات وتخليصها من رواسب قرون من الاستبداد وعقود من الاستعمار، وبالتالي فهو يحتاج إلى شراكة فعالة واتساق بين النخب القديمة والنخب الشابة وبينهما وبين النخب المقبلة على السياسة كما انه مطلوب أن ينخرط الشعب بكثافة في الشأن العام، وأن يكون حازما جدا مع النخب القديمة والجديدة يدعمها بسخاء إن أحسنت ويسألها ويقومها بصرامة إن أساءت.

ولا ينبغي أن يسمح للنخب والأحزاب أن تستهين به أو أن تتخذه سلما ومطية أو أن تحصر دوره في التصفيق والتصويت والهتاف. بل لا بد أن يوطن نفسه على أنه هو صاحب الشأن وأن النخب والأحزاب في خدمته ومسؤولون أمامه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock