من هنا (قراءة في كتاب رنين القيد للأسير الحرّ عنان الشلبي)
الكاتب صالح حمدوني/إربد
من إربد حوران إربد الأقحوان وجبل عجلون والكفارات .
من مخيميها من قراها وبلداتها وتلّها،
من شرفائها ومناضليها وأحرارها … الأحرار دوما:
نزف تحية إكبار وإجلال للحركة الأسيرة في سجون الاحتلال الصهيوني .
تحية مجبولة بدماء شهدائنا الأبرار : من كايد مفلح العبيدات إلى سمير العجلوني وزياد طناش الحوراني الذين ارتقوا لأن العدوّ واحد والقضية واحدة.
من هنا
من وعينا، من موقفنا الوطني العروبي.
من رفضنا للنشيد الصهيوني الذي يقول :
ضفة النهر لنا … والضفة الأخرى لنا.
من ضميرنا ، من قلبنا … نحيي شهداء المقاومة الذين سقطوا قبل يومين
ولأسرانا البواسل: امتحان الضمير الإنساني كل يوم .
إنه لشرف عظيم لي شخصيا أن يرتبط اسمي باسم أخي الأسير عنان زاهي الشلبي وباقي الأسرى عبر جهد ضئيل نقوم به لإبراز قضيتهم العادلة.
وأتشرف بأن أكون من بين مجموعة من زملائي أعضاء رابطة الكتاب الأردنيين : عبد السلام صالح، رشاد أبو شاور، أحمد أبو سليم، صفاء أبو خضرة، صلاح أبو لاوي، وآخرون، نمارس دورنا الإنساني والأخلاقي والوطني في تبني إبداعات الأسرى عبر برنامج “أسرى يكتبون” والذي رعته وتبنته رابطة الكتاب الأردنيين على مدار 28 جلسة نقاشية بالشراكة مع المحامي الحيفاوي حسن عبادي .
” قررتُ أن تكون هديتي لأمي في عيد الأم عرساً أُزفّ به إليها محمولا على الأكتاف. عرساً فلسطينيّ الأمنيات والزغاريد والنكهة … هل سبق لأحدٍ أن قدم نفسه هدية في عيد الأم؟ ” ص13
في صبيحة 21-3-2002 نفذ عنان زاهي الشلبي عملية بطولية ضد العدو، تم أسره بعدها فيُبدي ندما على فعلته تلك. ندمٌ ليس على قراره، بل على التوقيت … ويُقرّر أنه في المرة القادمة سيختار يوما آخر لاستشهاده.
عادة ما أكتب قراءات ونقدا لما أقرأ … لكني فشلت تماما في الكتابة عن رنين القيد للأسير الحرّ عنان الشلبي.
قرأت ما يقرب من ثلاثين كتاب من كتابات الأسرى تصلني تباعا من الصديق الحيفاوي حسن عبادي. وكتبتُ عن عددٍ منها، وأُنجز حاليا كتابا عن أدب الأسرى … لكني كلما حاولت أن أكتب عن عنان أبكي.
لا يكتب عنان عن تفاصيل الأسر، وإن كان يمرّ عليها ويُذكّر ببعضها: عذاب التنقل ببوسطة السجن، التعذيب الجسدي والنفسي أثناء التحقيق، الحرمان من الزيارة لأشهر وسنوات، إضراب الأسرى، المنع من حقوق عادية وطبيعية، العزل الانفرادي لأتفه الأسباب،…الخ.
يكتب عنان في رنين القيد عن تجربة مُغايرة. ينتقل من العالم الذي هو فيه وأقصد الأسر، إلى العالم الذي انسلخ عنه: أهله وعائلته وأمه ووالده وأخواته وأصدقائه ومخيم عسكر. يكتب عن مشاعر الأسير ورغباته وأحلامه وذكرياته خارج أسوار السجن.
المؤبد؟
ماذا تعني هذه الكلمة؟
المؤبد : ” أن لا يموت الأسير كباقي الكائنات الحية. إذ تشيخ روحه ويشيخ جسده ويغزو الشيب رأسه، بينما قلبه يظلّ طفلا صغيرا “. ص101
والمؤبد في قاموس اللغة حكم بالسجن مدى الحياة .
والمؤبد هو الدائم .
والمؤبد اسم مفعول من أبّدَ
وأن تدفع ثمن قلم رصاص بحجم 3سم أسبوعا من العزل الانفرادي والتعذيب .
والأبد دوامٌ لا نهاية له … لكنه ليس الاحتلال
حياة تتسم بالخلود : هؤلاء شهداؤنا وأسرانا .
هل يعلم العدو أنه يخلّد أبطالنا ؟
وتأبد أي توحّش :
هل يعي العدو وحشيته ؟
تأبد المكان : أقفر وخلا من الأنيس
لكن أسرانا يصنعون كل يوم حياة جديدة
وتأبد الشيء: بقي أبداً طويلاً.
والمؤبد أن تكذب على أمك لتريحها من تعب الزيارة : ” حرموني من الزيارة شهرين. لا تيجي “.
والمؤبد أن تصرّ أمك : ” راحتي بشوفتك”.
وبعد سبع سنين حُرمت فيها من زيارته بأمر من المحكمة العسكرية تزوره في طقس عاصف ماطر شديد البرودة .
” تتم الزيارة من وراء زجاج مغلق لا تعبره اللمسات والروائح والتنهيدات وحرارة الأجساد، ولا حتى الأصوات إلا عبر سماعة هاتف ينقل الصوت مسجلا غير واضح ومتقطّع” ص66
الأمهات، لأنهنّ أمهات بكل شجاعة وكبرياء يشاركن الأسير دفع الثمن نيابة عن العائلة والمخيم والبلد والوطن … نيابة عنا جميعا.
الأمهات هنّ الثمن بحدّ ذاته … ثمن حرية أسرانا.
ثمن حريتنا وحرية بلادنا.
***مداخلة في حفل “رنين القيد” للأسير عنان زاهي الشلبي الأحد الموافق 26 شباط 2023 في رابطة الكتاب الأردنيين/فرع إربد