اضمن
مقالات

من الضيق والشدة إلى الرحب والسعة ( ماذا حدث فى حُنين) (١) + (2)

من الضيق والشدة إلى الرحب والسعة ( ماذا حدث فى حُنين) (١) + (2)

 

بقلم:د/ محمد كامل الباز – القاهرة

يتساءل الكثير من المفكرين والمبدعين عن جدوي ذكر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم والسابقين الأبرار، يندهش البعض منهم معللا أن الزمن غير الزمن فما كان يحدث فى الجزيرة العربية منذ أكثر من أربعة عشر قرن من الصعب أن يحدث الأن لذا ليس هناك طائل من مداومة تذكير الناس بالسيرة النبوية وماحدث فيها، بالتأكيد ذلك رأي عار تمام عن الصحة إذ أن حياة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته ماهى إلا شمعة تنير لنا حياتنا وتقدم الحل للكثير من المشاكل الأن، بعد فتح مكة وسيطرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه على أم القرى ومحور الجزيرة العربية، دب الرعب والقلق فى كثير من القبائل العربية، دولة قامت من عدة أفراد منذ ثمان سنوات تستولى على مكة بأكملها، تدين لها كل طرق التجارة وتهيمن على المقدرات الاقتصادية والدينية للعرب إنه والله لأمر جلل، هوازن على مسافة قريبة جداً من مكة لذا فالأمر ليس هين والبعد الجغرافي أصبح هام جداً، لكن البعد الثانى وهو الأهم هو البعد الديني والاقتصادي، هوازن تمتلك أحد أهم أصنام الجزيرة العربية التى ياتى إليها العرب يوميا وهو العزي أما ثقيف التى كانت تقطن الطائف فلم تدخل الحرب على سبيل الشغف أو الدعابة لكنها أيضاً كانت تخشي على مكانتها الدينية إذ يوجد بها أحد أهم الأصنام أيضاً وهو اللات، (اللات والعزي) الان فى خطر … إذن دخول الحرب ليس إختيار، بدأ مالك بن عوف سيد قبيلة هوازن بإعداد العدة، شحذ الهمم، إقناع هوازن وثقيف بضرورة دخول حرب مع جيش محمد، الخطر بات قريبا، اتحدت معه الكثير من القبائل مثل نصر وسعد بن بكر وجشم، لم يقف تأثير مالك على قومه عند حد اقناعهم بالدخول فى حرب لا طائل لهم فيها بل أيضاً قرر اصطحاب النساء والأطفال والبعير والفضة وكل ما يملكون فى الحرب ليحث الرجال على الموت دون أموالهم ونساءهم، نظّم مالك صفوفه ونزل مع جنده قبل وصول جيش المسلمين، على الجانب الآخر بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم بالاستعداد والنزول لوادي حُنين بعدد لم يعرف المسلمين مثله من قبل حيث اجتمع كل المسلمين مهاجرين وانصار ومن أسلم من فتح مكة التى كانت منذ فترة قليلة، لله درك يا حبيبي يا رسول الله منذ أقل من شهر كنت فاتحاً لمكة قاطعاً المسافة من المدينة، لم تعرف معنى الدعة والسكون وها أنت اليوم فى حُنين تستعد لنضال جديد، بلغ عدد المسلمين اثنى عشر ألف وهو عدد لم يأت من قبل، اختار النبى صلى الله عليه وسلم أن يذهب فى مكان وسط بين هوازن ومكة ولا ينتظر جيش مالك فى مكة خشية أن تدور الدائرة على المسلمين خصوصاً أن أهل مكة حديثي العهد بالاسلام، الحقيقة أن استعداد المسلمين للمعركة كان استعداد مناسب، فى بداية الأمر لم يحدث اى تقصير، اختار الرسول صلى الله عليه وسلم مكان النزال، عدد الجيش، المؤن، لدرجة استئجار اسلحة جديدة من بعض تجار السلاح بمكة، لم يدع شيئاً لم يفعله وبدأ المسلمون بالتوجه لحُنين فى السادس من شوال حتي حدثت الطامة الكبري، المشكلة الاساسية، وباء بدأ ينتشر داخل المعسكر المسلم، نعم هو الاغترار بالعدد، الإعجاب بالكثرة، الثقة فى النصر مسبقا، نعم نحن انتصرنا فى الكثير من الغزوات ولم نكن نمتلك ربع هذا العدد، مستحيل أن نخسر معركة بهذا الكم، لن نُغلب اليوم عن كثرة، انتشر هذا الوباء القلبي فى كافة ربوع الجيش، توجه المسلمون إلي حُنين وهم واثقين مسبقا من الفوز على مالك بن عوف خطأ قلبي دائم التكرار بيننا الان، التوكل على الاسباب ونسيان رب الأسباب، يذهب هذا الوالد للتوسط لمسئول كبير كي يعين إبنه وهو متأكد فى قرارة نفسه أن المسئول بيده الأمر ولو امتنع عن المساعدة ضاعت الوظيفة من ابنه، تمتنع تلك الفتاه عن ارتداء الحجاب كي تظهر فى أحلي صورها وتتم خطبتها باقصي سرعة، يذهب هذا الرجل بكارت من الظابط الفولاني وهو ميقن تمام اليقين أن كارت الظابط سيخفف عنه عناء المشوار وينقذه، مرض قلبي خطير يتوجه به الفؤاد كليا لاسباب لا تضر ولا تنفع وتترك المحرك الأساسي والمالك الفعلي لكل هذا وهو المولي عز جل، كانت أول نتائج هذه الثقة فى البدايه وصول الجيش المسلم متأخر عن الموعد الطبيعي، كانت الجيوش تقطع مسافة الخمسين كيلو فى اليوم الواحد فقد استغرق المرور من المدينة لمكة عشرة ايام قاطعاً خمسمائة كيلو، لكن الجيش معتمد على عامل هام سيساعده فى المعركة …معه العدد والكثرة، المسافة بين مكة وحُنين عشرين كيلو تم قطعها فى أربعة أيام!! وهى من الطبيعي ألا تتجاوز نصف يوم، بدأ مبكرا تأثير الإعجاب بالكثرة، ظهرت الأعراض الجانبية للمرض القلبي بسرعة، لذا وصل المسلمين متأخرين عن جيش مالك الذى استحوذ على كافة المواقع الاستراتيجية، وأخذ جنوده وخيولهم القسط الكافي من الراحة، تلي العرض الأول لهذا المرض القلبي العرض الثاني، نتيجة أخرى للثقة فى الفوز والاعتماد على الكثرة حيث بدأ المسلمون الدخول بدون حساب فى وادي حُنين العدد كافي والاحتياط ليس له مجال، فى نفس الوقت نشر مالك بن عوف اكمنته حول الوادي، أيضاً لم تؤمن مؤخرة الجيش جيداً، كيف تحدث تلك الأخطاء العسكرية يا كرام !! الجيش مليء بالكفاءات العسكرية النادر تجمعها مع بعض وهذا أيضاً كان سبب أخر فى الثقة فى النصر لدي الكثير حيث أن القائد هو المصطفى صلى الله عليه وسلم، الجيش به خالد بن الوليد، الزبير بن العوام، علي بن ابي طالب، سعد بن ابي وقاص، دخل الجيش وادي حُنين دون أي مخاوف وفجأة حدثت المصيبة حدث ماكان يجب أن يحدث، لم ينزل وحي للنبي صلى الله عليه وسلم كي يشرح النبي للمسلمين مشكلة فعلتهم، لم يكن الوحي هو الحل الجذرى لتلك الآفة القلبية إذ أن احيانا لابد من رؤى العين كي يتعلم المخطيء ولهذا كان عقاب هذا الخطأ القلبي هو رؤية المصيبة باعينهم حدثت الكارثة وبمجرد توغل المسلمين فى الوادى انهمرت عليهم الأسهم من كل حدب وصوب ظهر لهم فرسان ثقيف وهوازن من كل الاتجاهات أصبح الموت قريب لا محاله ضاقت بهم الارض من كل ناحية دب الخوف والرعب عند الجميع ولم ليكن أمامهم سوى… نعم الفرار ..لم يكترث المسلمين بأي شىء إلا النجاه وبدأ معظم الجيش فى الفرار الفعلي، هل فر ربع ؟ نصفه ؟ تبقى اثنى عشر رجل فقط من الجيش!! ثبت من كل الف واحد وفر الباقى كانت نسبة الثبات فى الجيش واحد فى الالف. فرار عشوائي فى أي إتجاه.

 

من الضيق والشدة إلى الرحب والسعة (ماذا حدث فى حُنين). (٢)

 

أصبحت الصحراء الواسعة ضيقة جداً لا تكفي للفرار،. لم يعد هناك فائدة من الكثرة لم يشفع العدد فى طمأنة تلك القلوب الخائفة،. درس قاسي جداً عايشه المسلمين، لكن هل سينتهي الأمر هكذا،. هل يهزم المسلمين ويولوا الادبار بهذة الطريقة ومعهم عمالقة المعارك وعلى رأسهم المصطفى صلى الله عليه وسلم،. هنا جاء دور القائد،. القائد الذى لا يكتفي برسم الخطط وإعداد الجند وهو مستريح فى خيمته القائد الذي يكلف الجيش بالحرب وهو قانع فى مكانه،. لا والله بل أول سمات القائد هو القدوة…نعم ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم أروع الامثلة فى كيفية القدوة حيث لم يأمر الجيش بالرجوع والدخول فى المعركة وهو يراقب الأمر بل أخذ بدابته اتجاه العدو وناحيته !! تخيل الجيش كله فى اتجاه الفرار ويأتي المصطفى وحيدا فى الاتجاه المعاكس اتجاه الموت لم يكن المصطفى داعية ورجل علم وفقه فقط بل كان متكامل فى كل شيء ضرب بنفسه المثل الأعظم فى التضحية والشجاعة لدرجة ان العباس كان يمسك بلجام الدابة كي يغير اتجاها ويمنعها من التقدم !! كيف لرجل مهما بلغ من شجاعة أن يتوجه صوب الآلاف من الأعداء وحده، وقف ثابتاً وأخذ يردد ( أنا النبي لا كذب أنا بن عبد المطلب،. هلم عليا أيها الناس ) وبدأ يكلف العباس بالنداء على أصحاب الشجرة الذين عاهدوا قبل ذلك على عدم الفرار وبالفعل فعل العباس وبدأ المسلمين يعودوا لاماكنهم، بمرور الوقت أصبح العدد فى ازدياد وبدأت تتغير دفة الأمور حيث أن جند هوازن كانت قد تخلت عن أماكنها وبالفعل حدثت المعجزة حيث انقلبت دفة المعركة تماماً وكانت نقطة التحول هى ثبات القائد،. شجاعة من فى المقدمة، رؤية الجنود لزعيمهم رجل مثلهم يحارب بل ويجود بنفسه فى سبيل الله، ثم كانت المرحلة الثانية وهو تسليط الضوء على الخطأ الذى وقع فيه المسلمين فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يبتهل الى الله بكل جوارحه قائلا اللهم انزل علينا نصرك اللهم نزل نصرك، تم الطلب لمن بيده الأمر كله من يملك كل الحلول، العلى القدير ليعرف الجنود أن العدد غير كافي للنصر وأنه لابد معه من توافر عنصر هام جداً وهو التوكل على الله بدأ الهلع والخوف يعم هوازن وثفيف وتحول هجومهم الى دفاع بل الى فرار حيث أخذوا يفروا فى كل إتجاه كما كان الأمر فى بادئ الأمر مع المسلمين، بعلاج المرض وتطهير القلب انقلبت الدفة للمسلمين وسيطروا تماما على وادي حُنين، فر معظم رجال هوازن وثقيف تاركين أموالهم ونساءهم وأطفالهم وفر معهم قائدهم الذى ورطهم فى تلك الحرب، غنم المسلمون غنائم لا حصر لها وانتصروا نصرا ساحقا على أخر معاقل الشرك فى الجزيرة العربيه حيث لم يتبقي لهم سوي الطائف التى باتت أقرب مما يتصور الكثير، لحظات بين وهن القلب وقوته حولت هزيمة وفرار الى نصر وكرار، توجه قلبي ازاح بوصلته من ضيق الغرور بالعدد والكثرة إلي سعة التوكل والاعتماد على الله، كانت معركة حُنين مشهد لن ينساه الكثير مثل مشهد أحد تعلم منه المسلمون دروساً كثيرة وفوائد أكثر، ولكن الدرس الاساسى والفائدة الكبري أنه مهما كان لك عون أو نصير فالنصر دائما حصري من العلي القدير.

د/محمد كامل الباز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock