متنفَّس عبرَ القضبان (85)
حسن عبادي/ حيفا
بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
عقّب الصديق عصام العبادي: “الكتابة كالولادة ومخاضها الصعب. فما بالك وان كانت قصرية بكل ما تحمله من الصعوبات والتعقيدات لأدب الاسرى بصدق احساسهم وقلمهم…الحرية لهم. تحياتي”.
وعقّبت ريم (أخت الأسير أحمد عارضة): “ربنا يفك اسرك يا احمد. ويرحم روحك يا نور. يعطيك العافية استاذ حسن على جهودك”.
وعقّب الصديق الشافعي أبو ضرغام: “دامت انفاسك الطاهرة واحرفك الوضاءة يا طيب القلب والروح. طوبى لك وعليك ولكل الاسرى”
“قَرفصَة”
التقيت الأسير نادر صالح ممدوح صدقة ظهر الاثنين 07 آب 2023، في سجن الجلبوع، وحين ولجت غرفة المحامين وجدته يجلس القرفصاء وظهره قِبالتي، وتبيّن لي أنّ هذا الإجراء تحديثيّ، لفك الكلبشات وهو “متقَرفص”! والله صعبة.
بدأنا حديثنا عن نور وأحمد قائلاً: “لو كان ابن أختي، لا سمح الله ولا قدّر، كان أهون عليّ”، وكيف تقبّل أحمد الصدمة، “بركان ما فقع، فهو صعب مستعصي وليس سهل ممتنع”.
تناولنا عزل الصديق وائل الجاغوب في سجن تسلمون، “رايحين نحملها ع كتافنا”، لدى الناس استعداد لكن هناك تردّد، وعلى الحركة الأسيرة أن تكون رأس الحربة.
حتلنته بمبادرة جديدة لمؤسسة كل العرب في باريس؛ الإعداد لإصدار كتاب يتضمّن كتابات الأسرى في السجون الصهيونية وسيكون برقم إيداع فرنسي ودولي ويتم إشهاره في احتفالية كبرى في باريس، وآمل أن تكون بحضور الأسرى المشاركين وهم أحرار.
كان اللقاء مغايراً وأنهاه بابتسامته المتفائلة: “تخلّيش الحافز يفقّدك البوصلة”.
حين أنهينا لقاءنا، “قرفصوه” ثانيّة لكلبشته، وأجروا تفتيشه مجدّداً وكأنّه تخصّب باليورانيوم خلال اللقاء.
“أخو شهيد”
بعد لقائي بنادر أطلّ الصديق الأسير أحمد تيسير خليل عارضة وتلازمه ابتسامته الرقيقة وقَصِّة شعر احتفائيّة بنور.
كان نور محور اللقاء ونجمه، وصدمني أحمد حين واجهني بالحقيقة المرّة (صدقاً، لم أفكّر بها من قبل) أنّ المصاب الجلل في نفس الدائرة، ذات العائلات تواجه الاعتقال والأسر والجروح والإعاقات وهدم المنازل… والشهادة.
أخبرته بأنّي صُعِقتُ حين اتصل بي أبو يسار باكياً ليخبرني برحيل نور باكراً، خلال مشاركتي بمقابلة إذاعيّة، واتصال أصدقاء ومعارف، من البلاد والشتات، ورسائل لنور (مع صور تجمعنا)، وله ومحاولاتي لزيارته يومها.
حدّثته عن زيارة عائلته برفقة والد الشهيد بهاء عليان ووالد الشهيد محمد يونس.
كتب أحمد مخاطباً نوره: “لا تبتعد أكثر حتى لا تحول جدران السجن بيني وبين احتضان روحك التي أحس بها عابقة في المكان وتخفف عن قلبي عناء هذا التشرد”.
حتلن أحمد بطاقته التعريفيّة وأضاف بفخر واعتزاز: “أخو شهيد”.
لروح نور الرحمة والسكينة.
عزيزي أحمد: شدّ حيلك.
وللوالدة والعائلة أقول: الله يصبّركم.
أن تجعل أسيراً يبتسم
بعد لقائي بنادر وأحمد أطلّ الأسير رائد عليان عيد شافعي مبتسماً رغم قرفصائيّة الكلبشات اللئيمة.
بدأ حديثه قائلاً: “تردّدت أطلَع للزيارة ولّا مطلعِش” فذكّرته بدرويش “لا تعتذر عمّا فعلت” ممّا أذاب صقيعاً جثم على صدره.
حدّثته باهتمام القرّاء والنقّاد بروايته “معبد الغريب”، وما كتبه الأصدقاء عنها، الروائية المقدسيّة نزهة الرملاوي، الناقد اللبناني عفيف قاووق ومقولته “أن أدب الحريّة يولد من قمع السجّان”، الناقد رائد الحواري وصديقي الكاتب فراس حج محمد، وما حدّثوني حولها الروائية ديمة جمعة السمان، الكاتبة اسمهان خلايلة والروائيّة صفاء أبو خضرة.
تناولنا الأخطاء التي تقع في الإصدارات؛ فأوّل كتاب لأسير تناولته شمل 228 خطأ ووصفتها “أخطاء مجزريّة”، وما قاله لي صديقي الأسير هيثم جابر حين صُدم من الأخطاء التي وقعت في ديوان صدر له عن دار نشر مقدسيّة: “بتِقبل يولد لك ولد مشوّه”! وعلى كلّ الأحوال لا يمكن وصفها بنكبة! مهما كانت جسيمة.
حدّثني بحِرقة عن مصادرة مخطوطة جديدة له خلال مداهمة الـ “طيبول شورش” الأخيرة ومحاولاته المستميتة لاستعادتها وتحريرها من أيدي السجّان.
كلّ يعمل قدر استطاعته، ولا مجال للاعتذار أو الاسترحام، ما دامت النيّة أن تجعل أسيراً يبتسم، ولو للحظة!
لكم أعزاءي نادر وأحمد ورائد أحلى التحيّات، الحريّة لك ولجميع رفاق دربك الأحرار.
حيفا/ آب 2023
=======
[1] الأسير نادر صدقة، أُعتقل يوم 17 آب 2004، حكمت المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة بحقّه حكماً بالسجن المؤبد 6 مرّات و38 عامًا.
[2] الأسير أحمد عارضة، أُعتقل يوم 2 تشرين ثاني 2004، حكمت المحكمة العسكريّة الإسرائيلية بحقّه حكماً بالسجن المؤبد.
[3] الأسير رائد الشافعي، اعتقل يوم 28 تموز 2003، حكمت المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة بحقّه حكماً بالسجن المؤبد.