فرانكفوني موسيقي.. جريء وشجاع في الناصرة تقرير: ناجي ظاهر
فرانكفوني موسيقي.. جريء وشجاع في الناصرة
تقرير: ناجي ظاهر
المكان: الشارع الرئيسي في الناصرة على اسم البابا بولس السادس
الزمان: مساء أمس الأول الجمعة الثالث من اذار الجاري.
نجن، مجموعة من الأصدقاء، في طريقنا إلى المعهد الفرنسي القائم على قطعة أرض واسعة تضمُّ أيضًا المستشفى الفرنسي. من بعيد يطلُّ مبنى المركز العتيق ذو العراقة المعمارية النصراوية الواضحة. أحد الأصدقاء يطرح سؤالًا عن جدوى استضافة مغن فرسي شاب في الناصرة.. فيرد آخر بحكمة واضحة، لنستمع أولًا بعد ذلك نحكم. يهزُّ المرافقون رؤوسهم علامة الموافقة.. ومؤكدين اننا نعيش هذه الفترة في عالم صغير جدًا، ومن المفترض أن تكون هناك تواصلات مستمرة ودائبة بين شعوب العالم. “المناسبة” يقول أحد المرافقين ويضيف ” عرض موسيقي يأخذنا إلى عوالم مختلفة وطريفة.. أضف إلى هذا أن الموسيقى هي اللغة التي لا يختلف الكثيرون في أنها لغة العالم. فنحن لا نحتاج الى فهم لغة شعب ما كي نفهم موسيقاه!!
يأتي هذا العرض الموسيقي ضمن فعاليات ونشاطات شهر الفرانكفونية، وسوف يقدّم فيه مغن فرنسي شاب يدعى بنجامان بيا، أغاني على إيقاع موسيقى البوب الشعبية. هذه المرة الأولى في البلاد.. التي يظهر فيها بيننا هذا الموسيقى المعروف عالميًا والحائز على العديد من الجوائز العالمية لقاء عطائه الموسيقي الإبداعي اللافت. نصل معًا مبنى المعهد الفرنسي حوالي السابعة والنصف.. العرض سيبدأ في الثامنة. بعد حوالي نصف الساعة. يتخذ كل منّا مقعده في قاعة المعهد.. يلفت نظرنا حضور حاشد من إداريي المعهد الفرنسي. في مقدمتهم مديره الجديد السيد ارنو الذي سبق وعمل معلمًا للغة الفرنسية فيه، والقنصل الفرنسي في البلاد السيد ستيفا توليه، إضافة إلى مسؤولين فنيين وإداريين من معاهد فرنسية أخرى تقوم في حيفا وتل ابيب. الأجواء تتخذ فذاذةً الموسيقى وتميزًا خاصين ولائقين. المدعوون يأخذون في التوافد من الباب الرئيسي للمعهد.. تمتلئ القاعة كما هو متوقع في جميع نشاطات المعهد وفعالياته.. المسولون الفرنسيون يرحبون بالجمهور شادين على الايدي ومرحبين بضيوفهم الأعزاء الغوالي بابتسامات حادبة.
من فنزويلا الى الناصرة مرورا بفرنسا
يندمج الأصدقاء المرافقون في نقاشاتٍ، بعضُها بيزنطي لا يخلو من ثرثرة وبعضُها سقراطي يركز على الحُجة والمنطق. خلال هذا النقاش وذاك.. يأتي أكثر صوت داعيًا الجميع للدخول إلى قاعة العرض. يتّخذ كلٌّ من الحضور مقعده في القاعة. ويبدأ العرض. بكلمات لسكرتيرة المعهد منذ سنوات بعيدة جدًا السيدة ياسمين، يليها القنصل الفرنسي، بعده يتحدّث المدير الجديد للمعهد السيد ارنو. كلمات ترحيبية وأخرى تعريفية بالعرض وآفاقه. السكرتيرة تترجم ما يقال. بمودة واضحة ووسط تفاعل الحاضرين. ويبدأ العرض. يعتلي المنصة فنانان شابان كل منهما يحتضن قيثارته بمودة وحنوّ واضحين. أحدهما، كما يتضح بسرعة هو الفنان المغني بنجامان بيا، شاب بهي الطلعة لا تفارق الابتسامة محيّاه.. في الثلاثينيات من العمر. يرحّب بجمهور الحضور مُعربا عن سروره بالمناسبة. ويبدأ العرض وسط صمت يليق بالموسيقى والمناسبة. ينطلق الاثنان بتقديم موسيقى شعبية ذات نغمات تألفها الاذن العربية بسهولة، وتتتالى الأغاني واحدة في إثر الأخرى. أحد الحاضرين، الفنان عادل زكريا ابن مدينة الناصرة، المعروف بميله إلى الأغاني الأجنبية وتقديمه لها، وهو بالمناسبة مؤسس “فرقة الجواهر”، التي تألقت بعروضها واغانيها متعدّدة اللغات، في الثمانينيات من القرن الفائت المنصرم للتو. هذا الفنان، يتفاعل مع العرض ويرفع صوته بين الحين والآخر مُشيدًا ومحبّذًا بكلمة” برافو”، يساعده في التعبير عن نفسه اتقانه للغة الفرنسية واجادته التحدث بها. يلفت عادل من موقعه في الصف الأول من القاعة، إلى العازف المُرافق لنجم الحفل وتسري في القاعة مشاعر التقدير لعازف الصولو المرافق. الفنان بنجامان بيا يتوقّف عن الغناء والعزف ليشير بمحبة غامرة إلى مرافقه العازف مُشيدًا ببراعته في العزف على القيثارة. بعدها يعود إلى مكبّر الصوت ليقدم ” تصفيرة” موسيقية لافتة يدُّل بها على اندماجه بالعرض. وينطلق مُجدّدًا مُقدمًا الاغنية تلو الاغنية وسط اصغاء شديد من جمهور الحاضرين. حينا وتفاعلهم المعجب والمصفق حينًا آخر. المغني يتوقّف كلّما رأى توقفه هذا مناسبًا ليقدّم معلومة أو فكرة أو حتى ذكرى، عمّا يُقدمه من الأغاني. يقول إنه استوحى أغانيه خلال زيارة له إلى دول أمريكا اللاتينية، وفنزويلا تحديدًا، مشددًا على ما تتصف به اغانيه تلك من روح شعبية، تقودها روح مُحبة وآملة تربط ما بين شعوب العالم مجتمعة مهما تعددّت انتماءاتُها.. مشاربها وميولها.. ” الموسيقى روح نقية تخاطب ارواحًا نقية أخرى وبإمكان الجميع أن يفهمها”. يؤكد الفنان المبدع بنجامين بيا وسط ابتسامة واثقة ومحبة واضحة.
الموسيقى بؤرة مشعة تجمع الشعوب وتقرب القلوب
ينتهي العرض. يتجمهر محبو الفرانكفونية ومؤيدو التواصل بين شعوب العالم وهم ليسوا قلة في الناصرة، حول الفنانين المبدعيَن، يوجّهون إليهما السؤال تلو السؤال مُشيدين بالعرض.. “ابدعتما” يقول أحد المتجمهرين فيما يقول آخر ما قدمتماه كان قريبًا من القلب.. شعرت أنه يمتُّ إليّ وإلى موسيقاي العربية بأكثر من صلة. “الموسيقى تجمع الشعوب حقًا”، يؤكد متحدث آخر. أما المسؤولون الفرنسيون الماكثون فإنهم يتجولون بين المتبقين في القاعة بعد انتهاء العرض موزعين الابتسامات بسخاء فرنسي بات وعروفًا ومعهودًا في الناصرة خاصة. وموحين أنهم سعيدون بهذه المناسبة الهادفة إلى التقارب بين شعبي باريس والناصرة، ومُعلنين عن رغبتهم في المواصلة باتجاه انسان فرانكفوني شجاع وجرئ في مدينة البشارة الخالدة.