صناعة الخوف إبداع أم لعب بالمشاعر؟ د.ادريس محمد صقر جرادات
صناعة الخوف إبداع أم لعب بالمشاعر؟
د.ادريس محمد صقر جرادات[1]
ملركز السنابل للدراسات والتراث الشعبي –سعير-الخليل
كان من عادات الأمهات والجدات حول موقد النار-الكانون- أو حين تنويم الطفل وهي تهز السرير أن تحكي قصة شعبية لمجموعة الأبناء الصغار والأحفاد وعلى سماع أمهاتهم وأخواتهم ، وكانت تدور الإحداث حول الحيوانات المفترسة أو الكلب والقط الأسود أو العفاريت والغول والأفاعي وطائر العنقاء والعو-الكلب- وابو رجل مسلوخة بهدف التسلية والمتعة وإقناعهم أو تخويفهم وإسكاتهم عن البكاء كي يناموا أو للحد من حركتهم كي لايبتعدوا كثيرا عن المنزل وتتفرد هي لأعمال وأشغال المنزل.
يتشرب الطفل ثقافة الخوف والرعب كفعل شرطي لموقف معين أو التعرض للخوف من مواقف خاصة أو فردية ، وفي علاج الفوبيا والفزع باستخدام أساليب شعبية منها طاسة الرجفة أو الرعبة وهي وعاء نحاسي مجوف مكتوب عليه آيات من الذكر الحكيم يوضع فيه الماء وينجم –يعرض للنجم ليلا-وإحداث حالة فزع وخوف للشخص –خوفة تطرد خوفة-وإعطائه الوعاء النحاسي كي يشرب منه في أجواء حالة من الاضطراب والفزع ، وبعدها إذا ظهرت عليه علامات الخوف منها البثور على الجلد يعني انه تشافى من الخوفة الأولى وكذلك استخدام دجاجة الطربة-باختيار دجاجة سوداء وطبخها ببهارات من العطار وخلق حالة من الرعب كخبر صادم وإلقاء الدجاجة عليه ليأكل منها-العلاج بالصدمة- وحين ينزف عرقه ويجهده على رأي الجدات أنه تعالج من حالة الخوف لديه .
قصص الخوف والرعب لم تقتصر على الليل او الحيوانات بل تعدت إلى قصص الجان والشياطين والأماكن المسكونة من وديان وكهوف وأشجار معمرة وعيون ماء ، وتذكر بعض القصص أنه حدث تحدٍ في إحدى مضافات الرجال من يستطع أخذ الإشارة وغرسها في منتصف مغارة ياقين-منطقة تتبع لبلدة بني نعيم مشرفة على أراضي البحر الميت-أخذ الإشارة راعي غنم وذهب ليلا إلى المغارة ودخلها وأخذ يغرس الإشارة في أرضية المغارة وكان يغرسها في ملابسه، وحينما هم للخروج شعر بأنه ممسوك وبقي مكانه على اعتبار أن الجان هو الذي أمسكه ، وفي الثلث الأخير من الليل نهضت والدة الراعي تبحث عنه كي يأخذ الأغنام الى المرعى فلم تجده وذهبت الى مضافة الرجال فلم تجده وأخذت تبكي وتصرخ بصوت مرتفع وفزع الرجال يبحثون عنه فوجدوه داخل المغارة وحملوه وأخرجوه واستعملوا معه الوسائل والأساليب الشعبية لطرد الخوفة والرعبة منه وارتبطت القصة في الخيال
الشعبي ،ولم يجرؤ أي شخص على الاقتراب من المغارة على اعتبار أنها مسكونة بالجان وبعضهم نسج قصصاً شعبية بسماعه أعراس للجان داخل المغارة .
في إحدى الزيارات لبيت أحد الأطباء الشعبيين لجمع معلومات لكتاب الطب العربي الشعبي في فلسطين شاهدت الطبيب الشعبي يرش الماء على رأس المريض ويلقنه كلمات والمريض يردد خلفه بصوت جهوري مرتفع ، استأذنت الطبيب الشعبي لأقوم بنفس الدور ، قمت بتطبيق نفس الإجراءات على المريض واخذ يردد ما أقوله له وهذا يعتمد على القدرة على الإيحاء وتقبل الآخر انطلاقا من مقولة الغريق يتعلق بقشة والمريض يتلذذ بأي وسيلة للعلاج ، وذات مرة استخدم الطبيب المعالج بيضة مفرغة من المحتويات وبداخلها صرصور ويضع بجانبها أصابع البخور وحين تسخن قشرة البيضة يتحرك الصرصور وهنا يخلق حالة من الفزع والخوف والرعب بأن الجان يحكي له عن المرض أو السارق أو صاحب المشكلة أو أين يوجد السحر .
كذلك التخويف بأن له سحر ومن السحر أنواع وأصعبها أن يكون الساحر يهودياً فهو صعب ويحتاج إلى قدرات خارقة لإبطاله ويبدع في ذلك طائفة السمرة في نابلس والذين يقطنون جبل جرزيم في نابلس ولهم مكاتب خاصة لفك السحر وقراءة الكف ويأخذون مبالغ طائلة عن ذلك.
استخدمت قصص الخوف والرعب في الأدب والفن والنحت والرسومات وتطورت الى أفلام السينما والتلفاز والخيال العلمي كأفلام مصاصي الدماء والحروب وسفك الدماء بهدف السيطرة على الآخر وأن يبقى تحت التهديدات وإحداث انفعال في النفس لتوقع ما يرد من مكروه .
في ظل تطور وسائل التواصل الاجتماعي تم توظيف أفلام الرعب وابتداع الألعاب الالكترونية والتي أصبح خطرها يداهم كل بيت لأنها أصبحت سهلة وفي متناول الجميع والأخطر أنها متوفرة بين أيدي الصغار خاصة في ظل تجاهل الأهل وعدم توفر الرقابة والمتابعة للأبناء من قبلهم حينما استخدام الألعاب الالكترونية ومصاصي الدماء ونشر جرائم الحروب وسفك الدماء مما يولد الشعور بالعدوان والقسوة والغلظة في نفوس الأطفال وتجذرها في الخيال الشعبي .
ثقافة الخوف مكتسبة من البيئة المحيطة وتعتمد في الأساس على التربية وطرق التنشئة الاجتماعية والمناخ التربوي السائد وطرق العقاب والثواب وردات الفعل الشرطية والتعرض للمواقف والمخاوف و القدرة على المواجهة والمقاومة والتحدي والاستجابة ولا تقتصر على مرحلة عمرية معينة ، فهي تبدأ من مرحلة الطفولة من البيت والأسرة الى المدرسة الجامعة والمؤسسة ، وصولا إلى خلق حالة من الرقابة الذاتية على النفس وضبط السلوك والخوف على مصدر الرزق ولقمة العيش وللتغلب على الخوف يتطلب التحدي والشجاعة والإقدام والتجربة وكسر الروتين ومجابهة ومواجهة المواقف الطارئة والتغلب على الشدائد وطرح الحلول البديلة وجعل مخافة الله هي الأساس لكل سلوك .
[1] مدير مركز السنابل للدراسات والتراث الشعبي –سعير-الخليل-فلسطين.