شاعر الكرنك.. ابتسامة حظ وسخرية هرمين
ناجي ظاهر
عاش حياة عاصفة ولم يكن يهدأ له بال إلا ويعود ليتعكّر. رحل والداه عن الحياة وهو لمّا يزل غرًا صغيرًا. توكل بمساعدته في تلقيه العلم أحد اخواله، وكانت دراسته صناعية. ورث محبة الشعر عن والده فأحبه وكتبه. منذ بدايات وعيه الاولى. غنّى له موسيقار الأجيال محمّد عبد الوهاب قصيدته ” الكرنك”، التي ستخلد ذكره وسوف يشتهر بها ويُلقب بشاعرها، كما غنّت له أم كلثوم قصيدته “قصة الامس”، وقد صدح بعدد من قصائده عددٌ من المطربين من أبناء فترته في مقدمتهم أسمهان. كان بهيّ الطلعة. عَرف المجد والتألق وعاش سنواتٍ في الظل. انتهت حياته إنسانًا فقيرًا معوزًا وهو دون السابعة والاربعين.
الشاعر المصري العربي أحمد ابراهيم فتحي ( 1930- 30 تموز 1960). ولد في قرية الشرقية لعائلة عمل معظم أبنائها في الزراعة. والده كان شاعرًا حماسيًا محرّضًا. توفيت أمه وهو لمّا يزل في العاشرة من عمره. بعدها بفترة ليست مديدة توفى والده. كفله أحد أخواله وساعده في إتمام تعلّمه الثانوي في مدرسة صناعية. عاش حياته متنقلًا بين المدن والاعمال المختلفة، فمن قريته الشرقية إلى الاسكندرية، ومن الاقصر إلى القاهرة ومن هذه إلى العاصمة البريطانية لندن. في لندن ارتبط بفتاة بريطانية تدعى كارول وأنجبت له ابنة أطلق عليها اسم جوزفين. تنقّل في العديد من الاعمال فمن العمل موظفًا في الجمارك إلى العمل في التدريس، ومن العمل في السياسة- كان مواليًا للحلفاء ومؤيدًا لهم في الحرب العالمية الثانية، إلى العمل جنديًا فتاجرًا فصحفيًا.
مارس أحمد فتحي العديد من الاعمال وعرف بتبذيره لما كان يتحصّل عليه من أموال، كما عُرف عنه أنه كان مدمنًا الخمرة، وهناك مَن يرى أن إدمانه هذا إنما كان بسبب أنه لم ينل ما يُريد ويود من الحياة، فبعد أن غنّى له محمد عبد الوهاب قصيدته “الكرنك” التي ستصبح علامةً هامةً في تاريخ الموسيقى العربية المعاصرة.. وسوف تردّدها الاجيال جيلًا بعد جيل، وبعد أن غنّت له أم كلثوم “قصة الامس”، بلحن رياض السنباطي، حاول أكثر من مرة أن يقنع أحد هذين الهرمين الشاهقين في دنيا الغناء والموسيقى، إلا أن هذين رفضا، لعدم اقتناعهما، كلٌ على حدة بالطبع، بما قدّمه إليهما من قصائد وأشعار بالفصحى والعامية ايضًا، وكان أنه مُني بصدمة شديدة الوقع عندما رفض هذان قصيدةً أجهد نفسه في كتابتها وحمّلها عنوانًا لافًتا هو “بعد الغروب”.
من الفترات البارزة في حياة أحمد فتحي، فترة وجوده وعيشه في العاصمة البريطانية لندن، فقد ساعده أصدقاءٌ له في العمل في الاذاعة البريطانية، إلا أن عمله هذا لم يدُم فترةً طويلة، وكان أن التقى هناك بالأمير السعودي عبد الله الفيصل صاحب القصيدة الشهيرة “ثورة الشك”، التي صدحت بها أم كلثوم، فأعجَبت وأبهرَت كالعادة. وتذكر المصادر المتوفّرة وهي شحيحة جدًا أن شاعرنا شكا للأمير السعودي قلة العمل وما رافقه من ضيق ذات اليد، فقام الامير عبد الله الفيصل بمساعدته في الحصول على وظيفة في صحيفة سعودية. غير أن عمله هذا لم يستمر طويلًا، ليعود إلى حياة التبطّل، وليرجع إلى بلاده بعد أن تعقّدت أموره الزوجية وتلك المتعلّقة بتجديد الاقامة.
هذه الحياة العاصفة التي عاشها شاعرُنا لا سيما بعد أن ابتسم له الحظ فانتشرت قصيدته المغناة انتشار النار في هشيم المنطقة العربية، وبعد أن غنّت أم كلثوم من كلماته، وبعد عدم تمكّنه من إقناع هذين العلمين المتألقين في حياة المنطقة الفنية، دخل شاعرُنا في حالة من اليأس، وكان أن صعد يوم الثلاثين من تموز من عام 1960، إلى غرفته رقم 14 في فندق كارلتون، القاهري، وهو يشعر بالإعياء الشديد، وأسلم عينية لملك الكرى.. ليسلب منه هذا الحياة، بعد أن غنّت له أم كلثوم قصيدته “قصة الامس”، التي صوّر فيها أطرافًا من معاناته وتجربته المُرّة في الحياة، وليجره هذا الملك بالتالي إلى متاهات الوجود والعدم.. كل هذا جرى بعد سنتين من ارتقائه قمة المجد وانزلاقه حضيض الانحطاط.
من قصيدة قصة الامس: وكانت تلك القصيدة تصويراً حيّاً لبعضٍ من معاناة صاحبها وحياته، ومنها يترقرق للأسماع.
قصة الأمس أناجيها وأحلام غـــدي
وأمانيٌّ حسان رقصت في معبـــدي
وجراحٌ مشعلات نارها في مرقــدي
وسحابات خيال غائم كالأبـد
قصائد احمد فتحي المغناة:
*”حديث عينين”، غنتها اسمهان، ولحنها رياض السنباطي سنه 1938
*لحن السنباطي وغنى قصيده عن النيل، 1940
*الكرنك تلحين وغناء محمد عبد الوهاب )1941(
*غنّى السنباطي قصيده “همسات”، وقصيده “طيور المساء”
*لحن السنباطي قصيده “أشواق” وغنتها نجا’ على.
*قصيده “ظنون” غنتها فتحيه احمد.
*في سنه 1943 لحّن السنباطي قصيده “صوت السنين” وغنتها حياه محمد.
*في سنه 1944 لحن السنباطي وغنى قصيده “فجر”
*قصه الأمس غنتها أم كلثوم 1958.