رفيف – قصة قصيرة – بقلم : نجاح نجم / الناصرة
رفيف
قصة قصيرة
بقلم : نجاح نجم / الناصرة
رفيف شابة أحبت شاباً حباً قوياً جداً وإستطاعت أن تقول له : أنت حبيبي الوحيد الذي بحثت عنه سنيناً طوال طوال …طوال ….ّ
أرادت أن تعبر عن مشاعرها الرقيقة العذبة الصادقة النابعة من أعماقها الطوباوية الملائكية البتول فاحتارت في اختيار الوسيلة الارق والاعذب والأصدق في نقل هذه الاحاسيس والمشاعر اليه …..
نظرت حولها في الطبيعة الخضراء التي تحيط بها في بداية شهر نيسان نظرت الى السماء الزرقاء التي تظللها بعض الغيوم البيضاء وقالت في نفسها : سوف يرسل لي الرب ملائكة توحي بداخلي أي الوسائل هي الانسب لنقل هذه المشاعر والأحاسيس الى حبيبي …..
بقيت تفكر وتفكر تلك الشابة وتنتظر أياماً وليالي طويلة طويلة جداً وصول هذا الوحي ….
الى أن جاء يوم الاحد الاخير ….. يوم عيد الفصح المجيد للاخوة المسيحيين الذين يسيرون حسب التقويم الغربي …
وكانت تنقل ملابسها الى ساحة البيت الكبير كي تعلقها على حبال الغسيل لكي تجّف بعد ان قامت بنقلها بيديها وحملها في صباح ذلك اليوم المقدس الكبير ……
كان عليها ان تنظر حولها قبل البدء بعملية نشر الغسيل المبتل بالماء وتثبيته بواسطة الملاقط الخشبية والبلاستيكية الى حبال الغسيل في ساحة البيت الكبير ……..
واذ هي كانت تنظر حولها قلقه حائرة النظرات رأت عصفوراً صغيراً صغيراً جداً يقف أمامها على حافة الدرابزين مقابل حبال الغسيل وينظر اليها برقة وحنو وشغف كبير …
فابتسمت له بعذوبة ولطف وفرح عظيم اذ شعرت أنه الملاك الاول الذي جاء لينقل اليها وحي كلمات حبها الكبير الكبير الكبير …..
أسرعت الى قلمها وورقها وبدأت برسم هذا العصفور الدوريّ الصغير الصغير الصغير ….
واذ كان سريعاً في هبوطه الى الارض وأشد سرعة في طيرانه الى السماء بعد أن أبرق إليها بحبه الشديد ..الشديد…الشديد !
قالت لنفسها : سأرسمه خارجاً من دائرة صغيرة مفتوحة قليلاً كي أراه اذ هو خارجاً من قفصه الذاتي رغم كونه يحيا في الفضاء الواسع الكبير الكبير الكبير……
واذ علمت ان إخراج المشاعر من داخل النفس البشرية هو أمر صعب جداًعلى من إعتاد إخفاءها عن الاخرين ….
بدأت تتصور داخل نفسها صعوبة تجاوز الحواجز والاسوار والقوانين والاعراف والتقاليد …
لذا قالت لنفسها : انا أشبه هذا العصفور الدوري الصغير ..سيكون ميدان حبي مواجهة حبيبي ومواجهة المجتمع الكبير .. الكبير .. الكبير …..
لذاً علي أن أبني لنفسي جناحين يساعدنني على الطيران اذ يكون علي أن أمشي على قدمين بينما الحب بحاجة للطيران كي يصل الى حبيبي البعيد!
فبدأت برسم العصفور الصغير الصغير الصغير جداً 28 مرة وهو يهرب من داخل دائرة القفص الكبير الكبير الكبير …….
في المرة الاولى كانت الدائرة صغيرة قطرها يصل الى “أ” سم وفي المرة الثانية كانت الدائرة الصغيرة تكبر حتى يصل قطرها الى “ب” سم
وفي المرة الثالثة أيضاً كانت الدائرة الصغيرة تكبر أكثر حتى يصل قطرها الى “ت” سم
وهكذا قامت بتكرار رسم الدائرة التي تكبر بشكل طردي متزامن مع درجة تطور ونمو حبها حتى وصلت الى رسم سبعة دوائر مختلفة الاحجام تمثّل متوالية ذات متغيرات ثابته حروفها مكونة من ابجدية حروف اللغة العربية التي عددها 28 حرفاً .
وإذْ كان عليها القيام بقياس طول قطر هذه الدوائر ال 28 كل مرة كانت ترسم الدائرة الجديدة من جديد حتى وصلت الى الدائرة الثامنة والعشرين الاخيرة والكبيرة في المجموعة الاولى …..
لكنها حين رسمت الثماني وعشرين دائرة المختلفة الاحجام ومختلفة الالوان ومختلفة عدد الكلمات التي وصفت بها حبها الشديد الشديد توقفت قليلاً كي تقسم أبجدية حروف اللغة العربية الى قسمين : حروف قمرية وحروف شمسية ثم لتفحص عدد الكلمات التي استعملت فيها الحروف الشمسية وعددها 14 حرفاً وعدد الكلمات التي استعملت فيها الحروف القمرية التي عددها 14 حرفاً في كل نص أدبي كانت تكتبه او تقرأه على الآخرين …..
لكنها تحبه رغم كل شيء !
رغم هذا الفراق …الحصار… القيد الذي أحكم من حولها …وجعلها تتقبل فكرة الفراق القسري المفروض عليها …
انه تلاعب بمشاعر وأحاسيس الانسانة التي أحبت باخلاص حقيقي وليس وهمي …
يحاولون غرس مفاهيم تملىء رؤوسهم وعقولهم بأنها انسانه فاشلة في موضوع الحب وكل اختياراتها في هذا المجال تصّب في نزعة العزوف عن رؤية الواقع المفروض عليها أن تحيا به وتتقبله بصمت !
لكن لماذا …. هذا هو السؤال الاول الذي تطرحه على نفسها وعلى الآخرين هذا الصباح !
لقد بدأ هذا الصباح باللقاء اليومي مع القطة البيضاء التي تنتظرها على درجات البيت وتنظر اليها متوسلة أن تحضر لها وجبة الفطور حتى قبل ان تتناول هي طعام الفطور ..تماماً كما تفعل معها في بعض الاحيان !
لكن هذا الصباح لم تقدّم طعام الفطور للقطة البيضاء قبل أن تتناول هي طعام افطارها وبعد ذلك تتوجه الى المطبخ لاحضار فطور القطة البيضاء الجسد والصفراء العينين والملونة الذيل ……..!