اضمن
ادب

حكاية فهد ريناوي مُمرع ومبدع بقلم: ناجي ظاهر

حكاية فهد ريناوي مُمرع ومبدع

بقلم: ناجي ظاهر

ناف عمره الأدبي حتى الآن على الخمسين عامًا، أبدع في كتابة الشعر والقصة، والدراسة الأدبية. باحث أدبي جادّ. يقول إن كتابة مقالة أدبية جديرة يتراوح عدد كلماتها بين الألف والألف والخمسمائة كلمة، تحتاج إلى أشهر عديدة لتأتي في المستوى اللائق والمتوقّع من دارس متعمق لا يُلقي الكلام على عواهنه. ويضيف انه إذا لم يكن بإمكان الدارس أن يضيف إلى ما سبق وقاله باحثون آخرون، فان الصمت أحرى به. كل كلمة يقولها تأتي بعد اجتهاد وجهد. ومَن يقرأ أيًا من كتاباته الأدبية سواء في مجالها الإبداعي أو الدراسي البحثي.. والمدرسي أيضًا، يشعر أنه اغتنى وازداد علمًا.

الاديب الشاعر الدكتور فهد أبو خضرة، ولد عام 1939 في بلدة الرينة. عرفته منذ بداياته الأولى، وتصادقت معه في السبعينيات الأولى، وكان أول كتاب أهداني إياه وقرأته بلهفة مجموعته الشعرية الأولى “الزنبق والحروف”(صدر عام 1972)، بعدها تتالى إصداره للكتب بإيقاع متواصل، وتتالت قراءاتي لها أولًا بأول. كما قلت توزّعت كتاباته على مجالين واسعين، الإبداع الأدبي والبحث الثقافي يشمل المدرسي، وكان مبدعًا فيها مجتمعة.

لن أسرد سيرته الذاتية هنا بتفاصيلها النظرية والعملة، إذ بإمكان القارئ الكريم أن يطلع عليها بكبسة سريعة على محرّك البحث العنكبوتي العالمي غوغل، وإنما سأتحدث عنه شاعرًا، أديبًا وباحثًا كما عرفته، علمًا أنني قضيت عددًا من السنوات الأخيرة إلى جانبه وجانب إخوة آخرين، أبرزهم الصديق العزيز حنا أبو حنا رحمه الله، في تحرير مجلة “مواقف”، التي كان لي تاريخ معها، ابتدأ بتكليفي تحرير عدد خاص منها عن القصة القصيرة العربية في بلادنا، واختتم بالتحضير والإعداد للمجلة خلال فترة ليست قصيرة، إلى أن توقّفت قسرًا، مرورًا بإصدار أكثر من كتاب لي ضمن منشوراتها أذكر من بينها روايتي” هل تريد أن تكتب رواية” (صدرت عام 2005)، وأذكر أنها صدرت فيما بعد تحت عنوان آخر هو” امرأة بين كاتبين”..

عطاؤه في الشعر

صدر للدكتور فهد أبو خضرة حتى الآن تسع مجموعات شعرية، منها: الزنبق والحروف، القدس، 1972. البحث عن أجنحة، القدس، 1987. النسور 1990 كتابات على طريق الوصول، 1994 مسارات عبر الزوايا الحادة، 1998 حلم ليلة ربيعية 200 ، وقد كتب أبو خضرة الشعر بنوعيه التقليدي والحرّ. وأبدع في كل منهما. اتصفت كتاباته الشعرية بحس رومانسي شفّاف، لا يبتعد كثيرًا عن الواقعية، وبإمكاني أن أسجل هنا ملاحظة شخصية، هي أنه كان في مجموعته الأولى أميل إلى الحسّ الشعبي، في حين أنه انتقل فيما تلاها من إنتاجه الشعري، ليخاطب الخاصة، واعتقد أن دراسته وتدريسه للشعر أثّرا عليه ايجابيًا من هذه الناحية. ملاحظة أخرى أود الإشارة إليها هنا أن ما أنتجه من شعر بعد الزنبق والحروف، نحا منحى الرمزية، وانشغل فيه بقضايا إنسانية فلسفية تغترف من واقعنا التعيس آنذاك ولا تبتعد عنه كثيرًا. في إنتاجه الشعري الأخير، احتلت الرموز الدينية المسيحية مكانة خاصة، فاستعملها قناعًا للتعبير عن العديد من القضايا الحارقة، سواء في السياسة أو في الأخلاق والعدالة. وللحقيقة أثار استغرابي ألا يشير أي من المشاركين في تكريمه (المقصود تكريم نادي حيفا الثقافي له عام 2006)، إلى هذه النقطة الهامّة، في حين أشار إليها هو وشدّد عليها، كما قرأ قصيدة مثالّا على هذه النقطة. وبإمكان من يريد التوسع في هذه النقطة أن يبحث عبر محرك غوغل عن دراسة حولها كتبها الدكتور محمد حمد.

عطاؤه في البحث والدراسة

أثرى الدكتور فهد أبو خضرة حياتنا الأدبية في مجالها الدراسي البحثي بالعديد من الكتب، وأعتقد أن كونه مدرّسًا ومحاضرًا جامعيًا، مكّنه من العطاء الغزير نسبيًا، وقد صدر له حتى الآن أيضًا في هذا المجال الكتب التالية عناوينها: ابن المعتز – الرجل وإنتاجه الأدبي – بحث – 1981 دراسات في الشعر والعروض 1989 فصول التماثيل في تباشير السرور (تحقيق ودراسة) 1989 السرقات الشعرية وما يتّصل بها (دراسة) 2006 التوافق اللفظي (بلاغة) 2007 الحقيقة والمجاز (بلاغة) 2009. كما قلت آنفا تعتبر دراسات الدكتور فهد مرجعًا حقيقيًا يضيف إلى ما سبقه من دراسات في المجال ذاته، وأذكر أنني كتبت بعد اصداره كتابه عن المجاز مقالة حماسية (كلمة محرر صحيفة الصنارة الأدبي في حينها)، قلت فيها إن هذا الكتاب هو الأهم الذي صدر في ذلك العام. ولعلّ هذه مناسبة لأن الفت النظر إلى كتابه الهام دراسات في الشعر والعَروض، فهو يقدّم دراسة متعمّقة في مجاله، ويمكن أن يفتح العيون على موضوع يهم الشعراء، الشباب خاصة، ويثري معرفتهم في الشعر والعَروض. وأشهد في هذا السياق أن الدكتور فهد يمتلك مقدرة على متابعة ما يصدر من كتب في مجال دراساته، اعتقد أنها نادرة. وتستحق التقدير.

عطاؤه المدرسي

أولى الدكتور فهد أبو خضرة بالتعاون مع آخرين، الأبناء الطلاب اهتمامًا خاصًا، فوضع لهم سلسلة من الكتب التدريسية تحت عنوان الجديد في قواعد اللغة العربية، وأخرى وضع لها عنوان الأساس، وقد حرص في هاتين السلسلتين على أمرين احدهما التيسير إلى أقصى ما يمكن، لا سيما في تعليم قواعد اللغة العربية، والآخر إثارة الطالب للتفكير عبر النصوص المقروءة وأختها المسموعة. ولفت النظر في كتبه التدريسية أنه حاول تقريب الإبداع الأدبي العربي في البلاد، وكان لي الشرف أنه قدّم شيئًا من نتاجي القصصي فيها.

كلمة في حياته العملية

حملت روايته الأولى والأخيرة، فيما أعلم، عنوان ” الليل والحدود”(صدرت عام 1964)، وقد تناولت واحدة من أكثر القضايا السياسية إلحاحًا في تلك الفترة وهي قضية اللجوء ومعاناة اللاجئ، في ظل الاحتلال. وهذا يعني أن الدكتور أبو خضرة، تعامل في بداياته مع القضايا السياسية بصورة تكاد أن تكون مباشرة، وهو ما انعكس أيضًا، بهذا الشكل أو ذاك، في مجموعته الشعرية الأولى ” الزنبق والحروف”، إلا أنه ابتعد فيما أنتجه بعد بداياته الأولى عن السياسة بصورتها المباشرة، وشرع بالتعامل معها بشفافية، خَفيت عن آخرين، الأمر الذي جعل البعض يعتقد أن السياسة لا تهمه!! وهنا أود أن أدلي بملاحظة ذات شقين، الأول أنه ليس مطلوبًا من الشاعر المبدع أن يكون مباشرًا في قوله وأن مثل هذا الابتعاد عادة ما يبعد صاحبه الشاعر عن الشعر وأجوائه الشفافة، أما الآخر هو أن دكتورنا يعتبر شخصية علمية رفيعة المستوى، وأنه يعلم علم اليقين كيف يفصل بين رجل السياسة ورجل العلم، بالضبط كما يعلم علم اليقين.. كيف يقترب منه.

أخي فهد.. أرجو لك العمر المديد.. والعيش الرغيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock