جنازة شاعر المشاعر الرقيقة الأستاذ أبو نعيم فؤاد بيراني وكلمتي نجله والفنان يورام جاؤون.
بالفيديو أسفل التقرير :
جنازة شاعر المشاعر الرقيقة الأستاذ أبو نعيم فؤاد بيراني.
بقلم: فهيم أبو ركن
غاب شاعر المشاعر الصادقة الراحل المرحوم فؤاد بيراني
غاب عنا هذا الأسبوع الشاعر الصديق أبو النعيم فؤاد بيراني الذي ودعناه بقلوب حزينة واسف كبير. وقد رثاه العديد من الكتاب والشعراء والأصدقاء، وجاء وفد كبير من ممثلي وأعضاء الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين الكرمل 48 مساء الأربعاء الماضي وقدم التعازي، وقد طُلب من الأديب فهيم أبو ركن أن يتحدث باسم الوفد فنقل التعازي الحارة وعرف على أعضاء الوفد لرئاسة الأمين العام الكاتب سعيد نفاع.
تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح الجنان.
لقد امتاز المرحوم بصدق المشاعر وطلاوة التعبير وحبه لبلدته وشعبه وزملائه، فكتب القصائد الاجتماعية، الإنسانية والغزلية. وقد اخترت أن أنشر لكم هذه القصيدة من ديوانه “شرفة” الذي صدر عن دار الحديث للإعلام والطباعة والنشر قبل ثلاث سنوات.
ذاكرة المطر
(إِلَى رَوْحَيْ الـمَرْحُومَيْنِ نَزيه خير ونعيم عرايدة)
أَحْيَانًا أُبْصِرُكُمْ أَحْيَاءً
أَحْيَانًا أَرْحَلُ بِصَمْتٍ
وَلِأَنَّ امْرأَةً أُخْرَى سَتَلِدُني
فَلَا خَوْفَ مِنْ هذا الْمَوْتِ.
هذَا الشِّتَاءُ بِطَلَّتِهِ تَغيَّـــرَ
ذَاكِرةُ المطَرِ
اشْتاقَتْ لِإكْليلِ الْغَارْ
فَنَأَتِ الرُّوحُ بِأَمرِ خَالِقِهَا
تَاركةً الْبَردَ في أَرْجَاءِ الدَّارْ
هذا الشِّتاءُ حَتْمًا تَغيَّـــرَ
فَــنَزيهُ طَالَ بِهِ الْانْتِظَارْ
حَتَّى يَلْتَقِيَ بِأَبي نِزَارْ
هذَا الشِّتَاءُ بِطَلَّتِهِ تَغَيَّـــرَ
ذَاكِرَةُ الْمَطَرِ سَتُـعَانِقُ إِكْلِيلَ الغَارْ
كلمة الأستاذ أبو عنان حاتم حسون في رثاء الشاعر الأستاذ أبي نعيم فؤاد بيراني
حضرات المشيعين الكرام،
قال تعالى في محكم تنزيله:”(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)، صدق الله العظيم.
يقف الانسان حائرا أمام رهبة الموت، لا حول له ولا قوة إلا الرضا والتسليم لمشيئته، فلله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بقدر مسمى. معَ تسربِ نبأ مرض أبي النعيم، خيمَ الذهولُ على وجوهِ الجميعِ، عمَّ الصمتُ الرهيب وغصت المآقي بالعبرات، وابتهلنا بأن تمرَّ هذهِ الشدةُ لتعودَ اليه العافيةُ كي يكملَ مشوارَ حياتهِ الزاخرِ بالعطاء، وكنا نسألُ عنه بشتى الطرقِ والوسائل، فنطمئنُّ أحيانا ونحبطُ أحيانا أخرى، كان يشجعُنا عندما نزورُهُ ويقول: سأنتصرُ على هذا المرضِ الخبيث، فهل كنتَ تخفي عنا يا اخي آلامَك ومعاناتِك؟ قاومَ بكلِّ ما اوتيَ من قوة، لكنَّ الموتَ أصرَّ على اختطافِه من بيننا، كيف لا وهو واسطةُ العقد. فترجلَ الفارسُ قبل الأوان، فكانت اللوعةُ أشدُّ وأقسى، انطفأت الشعلةُ وهي في أوجِ توهجِها، وانحنت السنبلةُ المثقلةُ بالخير، وبرحيلِ هذا الانسانِ الإنسانِ فقدنا أخا عزيزا علمًا وكاتبا وشاعرا معروفا، أحب بلده وخاصة الحرة الغربية التي ترعرع فيها، وهي قلب دالية الكرمل النابض بالخير والقداسة.
عرفنا في ابي النعيم الصراحة، فقد كان مبدئياً في مواقفهِ يطرحُها بلا تحفظٍ، لم يحابِ ولم يساوِم، بل كانَ يقولُ كلمتَهُ بلا وجلٍ او ترددٍ. عمل بتفانٍ لما فيه خيرُ ومصلحةِ المجتمع عامة والمسيرةِ الأدبية والثقافية بصورة خاصة، فكان اسمُه خفاقا في البلاد، حيث صدقَ فيهِ قولُ الشاعر:
الى هنا تنتهي الدنيا بصاحبها فلا خلودٌ له الا بذكراهُ
وحياة رحيلنا كانت زاخرة بالنشاط والحيوية، وحافلة بالمواقف والإنجازات، فترك بصمات لا تمحى على مر السنين، وهذه ليست شهادتي الشخصية بل ان كل من عرف وعاشر أبا النعيم يشهد له بها. فقد غرسَ أشجارَ المحبةِ ورسَّخَ جذورَها في هذا المجتمعِ، لترتفِعَ أغصانُها الى عنانِ السماء، دلالةً على الخيرِ والعطاء والوفاء.
كان المرحوم بالإضافة الى دماثة خلقه وحسن معشره وتواضعه صاحب مواقف صلبة وصراحة متناهية الى ابعد الحدود، كان محبوبا على الجميع فأصدقاؤه كثر ومن كافة الانتماءات، كان انسانا بكل ما في الكلمة من معان، كان كريما وبيته مفتوحا للقاصي والداني، ومهما عددنا من مناقب فقيدنا فلن نوفيَهُ حقَهُ من حيث السيرةِ الغنيةِ والسمعةِ الطيبةِ وانَ هذا الموقفَ، يضيقُ عن شمولِ كلِ مزايا وخصال هذا الراحل الكريم.
نسأله تعالى أن يتغمد فؤادنا الغالي بنعيمه وواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جنانه ويلهمنا جميعا بلسم الصبر والسلوان وإنا لله وإنا اليه راجعون.